وذلك ما أخبرنا به النبي: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»
يعني أن المستفيدين من أوقاتهم قلة، وأن الكثير مُفَرِّط مغبون قد صرف وقته في غير محله، والغبن: أن تشتري بأضعاف الثمن، أو تبيع بأقل من الثمن الذي اشتريت به، فمن تفرَّغ ولم يسعَ لصلاح آخرته فهو كالمغبون الذي خُدِعَ في البيع، وهذا لأن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها غدًا، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله اليوم فهو الفائز بإذن الله.
نماذج مدهشة
- الحافظ القدوة شيخ الإسلام حمَّاد بن سلمة: قال عنه تلميذه عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا، ولهذا كافأه الله بأن توفاه وهو يصلي.
- كان الإمام ابن تيمية الجد مجد الدين أبو البركات: إذا دخل الخلاء يقول لجليسه: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع حتى لا يضيع من وقتي شيء.
- الحافظ الحجة الأوحد عبيد بن يعيش الكوفي شيخ البخاري ومسلم، قال عن نفسه: أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تُلَقِّمُني، وأنا أكتب الحديث!!
- سيد الحفاظ وشيخ المحدثين يحيى بن معين: قال: كتبت بيديَّ ألف ألف حديث.
- ولهذا بلغ من العلم مبلغًا قال عنه الإمام أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس بحديث .
- أبو عثمان الباقلاوي: إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها ستخرج؛ لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر.
هذه النماذج العالية والهمم الوثابة هي التي يصدق فيها قول الشاعر:
سَعِدَتْ أعيُنٌ رأتْك وقرَّتْ والعُيونُ التي رَأتْ من رآكا